من المعروف أن الماء هو الذي يطفئ الحريق، إلا أنه في الحال التي تكون الدولة العبرية طرفاً فيه، يبدو أن الماء هو الذي سيشعلها، ويحذر المختصون من أن الصراع في القرن القادم لن يكون بالدرجة الأولى على الأرض أو الذهب الأسود (النفط)، بل ستكون المياه التي يعد نهر النيل أحد روافدها الهامة - نقطة الصراع الذي قد تُسفك من أجلها الدماء للاحتفاظ بها، ويرى المختصون أنه من الصعب تخيل النقص في موارد العالم من المياه، في حين تغطي المحيطات ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، إلا أن الأمم المتحدة تتوقع أن يواجه مليار شخص أزمات مياه طاحنة بعد نحو 25 عاماً من الآن.
يقول الخبير الدولي في قضايا المياه إسماعيل سراج الدين "إن معادلة قضية المياه بسيطة لكنها مهلكة، فلابد من توفير مياه لثلاثة بلايين شخص سوف يضافون إلى سكان العالم بحلول عام 2025".ويؤكد سراج الدين أنه "لابد من توفير المياه عبر تحلية مياه البحر المالحة بحلول عام 2025، وإلا فإن البديل المحقق هو المجاعات والحروب بسبب النقص".
الدور الصهيوني في الصراع على مياه النيل
تعد محاولة الحركة الصهيونية للاستفادة من مياه النيل قديمة قدم التفكير الاستيطاني في الوطن العربي، وظهرت الفكرة بشكل واضح في مطلع القرن الحالي عندما تقدم الصحفي اليهودي تيودور هرتزل ـ مؤسس الحركة ـ عام 1903م إلى الحكومة البريطانية بفكرة توطين اليهود في سيناء واستغلال ما فيها من مياه جوفية وكذلك الاستفادة من بعض مياه النيل، وقد وافق البريطانيون مبدئياً على هذه الفكرة على أن يتم تنفيذها في سرية تامة.
ولقد رفضت الحكومتان المصرية والبريطانية مشروع هرتزل الخاص بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه النيل لأسباب سياسية تتعلق بالظروف الدولية والاقتصادية في ذلك الوقت.
وفي الوقت الراهن يمكن القول إن هناك أربعة مشاريع أساسية يتطلع إليها اليهود بهدف استغلال مياه النيل:
1ـ مشروع استغلال الآبار الجوفية:
قامت (إسرائيل) بحصر آبار جوفية بالقرب من الحدود المصرية، وترى أن بإمكانها استغلال انحدار الطبقة التي يوجد فيها المخزون المائي صوب اتجاه صحراء النقب. وقد كشفت ندوة المهندسين المصريين أن (إسرائيل) تقوم بسرقة المياه الجوفية من سيناء وعلى عمق 800 متر من سطح الأرض، وكشف تقرير أعدته لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري في يوليو 1991م أن (إسرائيل) تعمدت خلال السنوات الماضية سرقة المياه الجوفية في سيناء عن طريق حفر آبار إرتوازية قادرة؛ـ وذلك باستخدام آليات حديثة ـ على سحب المياه المصرية.
2 ـ مشروع اليشع كالي:
في عام 1974م طرح اليشع كالي ـ وهو مهندس (إسرائيلي) ـ تخطيطاً لمشروع يقضي بنقــل ميـــاه النيـــل إلى (إسرائيل)، ونشر المشروع تحت عنوان: (مياه الســلام) والذي يتلخص في توسيــع ترعة الإسماعيلية لزيـــادة تدفـق المياه فيها، وتنقل هـذه المياه عن طريــق سحــارة أسفل قناة السويس، وقد كتبت صحيفة معاريف في سبتمبر 1978 تقريراً بأن هذا المشروع ليس طائشاً؛ لأن الظروف الآن أصبحت مهياة بعد اتفاقيات السلام لتنفيذ المشروع.
3 ـ مشروع (يؤر):
قدم الخبير الإسرائيلي شــاؤول أولوزوروف النائــب السابق لمديــر هيئة المياه الإسرائيلية مشروعـــاً للسادات خـلال مباحثــات كامب ديفيد يهدف إلى نقــل مياه النيل إلى (إسرائيل) عبر شق ست قنوات تحت مياه قناة السويس وبإمكان هـذا المشروع نقل 1 مليار م3، لري صحراء النقب منها 150 مليون م3، لقطــاع غزة. ويــرى الخبراء اليهـود أن وصول المياه إلى غزة يبقي أهلهـا رهينة المشروع لدى (إسرائيل) فتتهيب مصر من قطع المياه عنهم.
4 ـ مشروع ترعة السلام (1):
هو مشروع اقترحه السادات في حيفا عام 1979م، وقالت مجلة أكتوبر المصرية: "إن الرئيس السادات التفت إلى المختصين وطلب منهم عمل دراسة عملية كاملة لتوصيل مياه نهر النيل إلى مدينة القدس لتكون في متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى".
وإزاء ردود الفعل على هذه التصريحات سواء من أثيوبيا أو المعارضة المصرية ألقى مصطفى خليل رئيس الوزراء المصري بياناً أنكر فيه هذا الموضـــوع قائلاً: "عندما يكلم السادات الرأي العام يقول: أنا مستعد أعمل كذا فهو يعني إظهـــار النية الحسنــــة ولا يعني أن هناك مشروعــاً قد وضــع وأخـذ طريقه للتنفيذ !!.
دور صهيوني خفي للسيطرة علي النيل
تطمع (إسرائيل) في أن يكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثيــر على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه (إسرائيل). يقول محمد سيد أحمد: "إن للخبراء الإسرائيليين لغة في مخاطبة السلطات الإثيوبية تتلخـص في ادعـــاء خبيث هو أن حصص المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل ليست عادلة؛ وذلك أنها تقررت في وقـت سابــق على استقلالهــم، وأن (إسرائيــل) كفيلة أن تقدم لهذه الدول التقنية التي تملكها من ترويض مجرى النيل وتوجيهه وفقاً لمصالحها".
من أجل ذلك تتوارد الأنباء والأخبار عن مساعدات (إسرائيلية) لإثيوبيا لإقامة السدود وغيرها من المنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر.
ولقد دأبت العواصم المعنية بدءاً من أديس أبابا مروراً بالقاهرة وانتهاء بتل أبيب على نفي هذه الأنباء. والاحتمال الأرجح هو تورط (إسرائيل) بالمشاركة في مساعدة إثيوبيا في إنشاء السدود على النيل الأزرق.
ملحوظة: المقال السابق جزء-بتصرف- من مقال محمد جمال عرفة في موقع http://www.soutelneel.com